الحج المبرور من أسمي النعم وأفضل الأعمال، فهو طاعة خالصة، وأعمال صالحة، وتضحية رائعة، وعبادة طاهرة، مذيبة للمعاصي، ومكفرة للذنوب.
تحشد قلوبا مؤمنة، إستجابت لنداء الله، وأخلصت في دعائه، وتجردت بتوحيده، وتنزهت في مناجاته، فأنشدت نشيدا واحدا، ينطق بنعمة الطاعة، وحلاوة الإستقامة، وجلال الضراعة، فيقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
وما أعظم هذه الفريضة الطاهرة! لقد خلع الحجاج من أجلها ملابس دنياهم، ولبسوا ملابس الإحرام، معلنين التجرد من شهوات النفس والهوي والغرور، مؤثرين لباس التقوي والطاعة والمساواة، ضارعين لربهم، قائمين راكعين، ساجدين، عاكفين، طائفين بالبيت، متعلقين برب البيت، طالبين القبول والصفح والمغفرة والرحمة والرضوان، إن روح الإيمان الخالص تسود بين صفوفهم، ولباب المشاعر الصادقة تجمع بينهم، والله مع هذه الحشود المؤمنة، المشغولة بالتوحيد، التي ذابت الفوارق بينها، وصفت نفوسها، وتطهرت قلوبها، وأشرقت عليها أنوار الهداية، وأصبحت علي الهدي المستقيم، يفتح لها أبواب السماء، ويكرم إخلاصها الذي برز في طاعتها أوامره، وإجتنابها نواهيه وإعتصامها بذكر ربها، وقيامها بالحج المبرور ولا هم لها إلا إجلال خالقها وتعظيم توحيده، والظفر بثوابه الجزيل، ومنحه الجليلة يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: الحجاج والعمار وفد الله تعالي وزواره، إن سألوه أعطاهم، وإن استغفروه غفر لهم، وإن دعوه استجاب لهم، وإن شفعوا شفعوا، والحق أن المولي عز وجل راض عن سكينة نفوسهم، وطمأنينة قلوبهم، وانشراح صدورهم، يكلؤهم بعينه التي لا تنام، ويحرسهم في كنفه الذي لا يرام، ويحيطهم بخيراته الواسعه، فهم في أزكي أحوالهم، وأكرم أيامهم، بعد أن ودعوا الأهل والأصحاب، وتركوا الأولاد، وهم زهرة الحياة، وزينة الدنيا، أما نفوسهم فهي مليئة بالتقوي والود والخير والصلاح، سعيدة بأفضل الأعمال بعد الإيمان والجهاد، فقد سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله» قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» لقد خرج أصحابها من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم ودخلوا بستان الحج، وبستان الحج حافل بخير كثير، طابت ثماره، وأينعت أزهاره، وإمتدت ظلاله، وطاب فيه المقام، وزادت المتعة، أما أيامه المعدودات فهي تشهد أكرم صور الخشوع والوقار والجلال، وتحتفل بالإمتثال والطاعة وتوحيد الكبير المتعال، وفي الاحتفال تذوب الفوارق، وتتحد المظاهر، ويتم التمتع بدروس غالية من مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب يقول سبحانه: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}، والكل يعيش في مؤتمر المسلمين الجامع، مبتهجين بزاد التقوي، مزدانين بمساواة رائعة، وأخوة متراحمة، وهم يطوفون ويسعون ويصلون ويدعون ويلبون إنهم أتوا من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا الله، وهل هناك أحسن من ذكر الله؟! إنه مصدر الخيرات وعمل الصالحات، تقربه العيون، وتطمئن النفوس، فتتمسك بالشريعة، في كل الأفعال والأحوال والأوقات، وتتجنب السيئات، وتحقق الخير العظيم، وفي عرفات حين تقبل هذه الحشود المسلمة علي خالقها تفوز فوزا عظيما، حيث تمحق الذنوب، وتحمي المعاصي، ويباهي الله ملائكته بها، ويقول: انظروا الي عبادي أتوني شعثا غبرا، أشهدكم أني قد غفرت ذنوبهم، وإن كانت عدد قطر السماء ورمل عالج وليس هناك أسمي من الحج المبرور، وهو الذي لا يخالطه إثم، فهو يقوم بتكفير السيئات ورفع الدرجات ودخول الجنة، وذلك لمن لم ٌيرفث ولم يفسق، فحقق ما هو خير من الدنيا وما فيها.
يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: «حجة مبرورة خير من الدنيا وما فيها، وحجة مبرورة ليس لها جزاء إلا الجنة» صدق رسول الله، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وهو أكرم الأكرمين، يعظم ثواب الحج ويقول عليه الصلاة والسلام أيضا: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة»...
وليت المسلمين يستجيبون لدعوة الحج الي وحدة قوية، وتخلص من العوائق التي تقف في طريقهما، ليقوي الإخاء، ويزدهر التعاون والتكافل، ويكونوا بنيانا قويا تزهو به الأمة الإسلامية.
الكاتب: د. حامد محمد شعبان.
المصدر: جريدة الأهرام المصرية.